الشاي

للشاي بالأقاليم الصحراوية طقوس خاصة وأوقات معينة يتم إعداده فيها ، ورغم أن الشاي ليس غاية في حد ذاته ، إلا انه يستحيل عند الصحراويين أن يعقد مجلس أو يحيى سمر دون إعداد الشاي " أتاي "  وحول صينية الشاي يتم تداول الأخبار ومناقشة أمور الحياة عامة . .

 

وقد حافظ الصحراويين على أدبيات وطقوس إعداد الشاي القديمة ، ومن أبرز هذه العادات  ما يصطلح عليه الصحراويون ب "جيمات أتاي الثلاثة " وهي الجماعة إذ من الأفضل أن يتم تناول الشاي مع الجماعة ومهما كثر عددها كان ذلك أفضل  و "الجر" ،  كناية عن  استحسان إطالة المدة الزمنية لتحضير الشاي وهو شرط يتيح للجماعة فرصة تناول أمورها بروية و تأن ،  والجمر ، إذ من الأفضل إعداد الشاي على الفحم  .

وفي ذلك يقول أحد الشعراء :

أتاي أمن شروط لهــن    وجماع زين سمـــاع

تسمع لشعار أو لغـــن    وأتعود أمــل بــــــداع

وأيعود كســان   مثنى     وثــلاث وربــــــــاع

ومن هنا فقـد كان الشاي أحد مقومات الســهر وأحــد عناصره الهامة حيث يقــال في ذلك:

أتاي أمنين أكـــدا دواخ    طلعت بالم  طــالع

بربع كسان أكداد  واخ    تو أطلــوع المطـالع

ولشرح هذا البيت  فإن (أكدا- دواخ) الأولى تعني: قمة الدوخة أو الدواخ وهو التــــوق الى شرب الشاي حيث صنعه صاحبه بماء مغلى أو (مفور) أي (ألم طـالع)، أما (اكداد- واخ) الثانية فترجــع الى الكــؤوس الأربــعة التي كانت متساوية ومن نـــوع واحــد يسمى (الواخ)، وتكـــون (تو اطلـــوع المطالع) الأخيرة من شطر  البيت الشعري تعني وقت طلوع الفجـر.

ولم يكن الشاي غائبا عن مداعبة الغيد شعرا، حيث يتفاخر الشعراء بشايهن في أغلب الأحيان، عـند لقاء الأحبة. ومما قيل في ذلك المجال:

بت البـارح نله قيـــد    كـــاس فيــد والم طــالـع

لين الليل أكبظت بيـد    بالمنـــازل والمطـــالــع

وقد يأخذ هذا البيت الشعري  معنيين أيضا، وذلك حسب شرح كلمة ألم طالع التي قد تعني طلوع الماء أي غليانه أولا، وطلوع الفجر ثانيا كما أسلفنا في (الكاف) السابق. وكلمة المنازل التــــــي تعنـــي البيوت في المقام الأول، وتعني كذلك نزول الماء في الإناء، كما كان يفعـل أهـل الصحراء لمـــياه الغدير من أجل تصفيتها.

وقد حافظ أهـل الصحراء على الشاي وتماسك عناصره خوفا من أن تشوبها شائبة، فتعكر صفو مياه تناسق جماعته وذلك ما يوضحه الكاف التالي:

 أتاي إيطـــــــــير      ذ النوبـة خــــالـك

وتاي إيطـــــــير      ش مـــاه خــــالـك

ويعني التصغير في إيطـيرو الأولى الاستلطاف أو المدح بمــا يشبه الـذم، أما أيطـير الثانية فتعنــي الاستخفاف والإعراض عنه أو عدم الرغبة فيه. ويعني  البيت الشعري في مجــمله أنه رغم وجـود الشاي وتـوفره فـي تلك الآونة، فإن أقل شيء يمكن أن يجعله غير مرغوب فيه. وذلك لشدة الحرص على تماسك عناصره كما ذكرنا.

و يعتبر الشاي من الأولويات التي يجب أن تقدم للضيف ، لذا حرص الرجل الصحراوي منذ القدم أن لا يخلو بيته من هذه المادة بالغة الأهمية والتي يسعى إلى جلبها من البلاد البعيدة ، وقد كان يضطر أحيانا إلى شراء الشاي بمبالغ باهظة جدا ، وقد حدثت مقايضة كيلو غرام واحد من الشاي ، أو قالب واحد من السكر ، بناقة أو جمل أو برؤوس عدة من الغنم .
 

ويطلق على معد الشاي" القيام" ويتم اختياره من بين أفراد الجماعة وفق مواصفات معينة من بينها  : بلاغة الحديث وإتقان الشعر، ودماثة الخلق ،  وحسن الصورة ( الوسامة ) وأن يكون من أصل طيب ، ويعتبر إسناد مهمة إعداد الشاي إلى أحد أفراد الجماعة من باب التشريف وليس التكليف. .


 ويجد الصحراويين متعة خاصة في مشاهدة " القيام "  وهو يعد لهم كؤوس الشاي ، حتى يتسنى لهم
إبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم على الأخطاء التي قد يرتكبها معد الشاي ومن بينها : أن لا يحسن التعامل مع أدوات إعداد الشاي ، أو تقديم كؤوس شاي غير مطبوخة جيدا ، أو لا يعتني بنظافة صينية الشاي ، أو أن يكثر القيام والجلوس ويبالغ في الحركة والكلام .


 ومن فوائد الشاي الصحية المساعدة على عملية الهضم لذا حرص الصحراويون على تناول الشاي بد وجبات اللحم الدسمة . وعموما لا يعتبر الشاي في الصحراء مشروبا تقليديا فحسب  ، بل سمة من سمات الكرم الصحراوي ، وعلامة من علامات الحفاوة وحسن الاستقبال ، حيث أن الصحراويين ينادون ضيوفهم لتناول الشاي أكثر من الأكل.

ويطلق الصحراويين على" القيام" المعروف بجودة إعداد كؤوس الشاي " فلان تياي " على وزن فعال ، ومن الطقوس لدى الصحراويين أثناء جلسة الشاي الرمي بالأكواب ( الفارغة ) في اتجاه " القيام" إقرارا منهم بجودة كؤوس الشاي ، خاصة إذا كان المجلس يتكون من الشباب .

ويطلق الصحراويين على الشاي بالغ الجودة " هذا اتاي يكلع ادواخ " ، أي أن هذا الشاي مزيل لآلام الرأس ، خاصة كؤوس الشاي التي يتم إعدادها عصرا ، التي يطلق عليها الصحراويين " أدحميس " ويستحيل أن يهمل الصحراوي احتساء " أتاي الدحميس" إلا في ظروف قاهرة .

وقد ينتهي الصحراويين لتوهم من جلسة شاي طويلة جدا ، ويدخل بعض الضيوف المتأخرين ، ويقولون" نعلو أتاي "بمعنى هل نعيد إعداد الشاي ؟  إكراما   لضيفهم وتحسبا لرغبته في شرب .الشاي

مكانة الشاي من خلال الشعر الحساني

 و حــول الشاي (أتاي) أيضا يجــتمع الأصـــدقاء في لعب ولهــو ومرح. يـقـــول أحدهـــــــم:

أتاي أل زين وبالجود    نشرب كاس خوف أعكــاس

وتاي أل وجه معكود    ماه فال نشرب كــــــــــــــاس

ويحمل هذا النظم  معنيين أثنين يتعلق الأول منهما بمن يعد الشاي أيالقيام والــذي يجب أن يكون منبسط الوجه مبتسما حتى يضفي نوعا من الرغبة في تناول الشاي وشربه، أما المعنـى الثاني فيتعلق بطبيعة الشـــــاي نفـــسه، والذي ينبغي أن لا يـــكون معــكودا أي شديــد الســـواد وقلــيل الســكر و قوي التركيز. وعلى ذلك الأساس يصف لنا أحد الشعـــــراء  الحسانيين الشكل الجيد الذي من المستحسن أن يكون عليه الشاي قائلا:

 أتاي أل زين أومتكـاد      لون يصـــفارأويحمـار

معلـوم أفلعمارإلاعــاد    يورش معلــوم أفلعمـار

أي يجب أن يكون الشاي أصفر اللون أو أحمره وذلك مهم وصحي كما يرى الشاعر، حتى أنه يساهم في امتداد العمر وبقاء الإنسان طويلا على قيد الحياة، إذا كان من شيء يساهم في ذلك.


 


    
جميع الحقوق محفوظة 2006-2024 © المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية